أزمة المرور في الرياض- حلول مبتكرة لتخفيف الاختناقات وأزمة المواقف

المؤلف: أحمد الجميعة11.26.2025
أزمة المرور في الرياض- حلول مبتكرة لتخفيف الاختناقات وأزمة المواقف

مما لا شك فيه أن جميع الخطط المرورية المنفذة في مدينة الرياض عاجزة تماماً عن استيعاب الكثافة المرورية الهائلة التي تشهدها المحاور والطرق الرئيسية، حيث يتجاوز عدد المركبات المتدفقة يومياً حاجز المليوني مركبة. وباتت الطاقة الاستيعابية للطرق غير قادرة على تحمل هذه الأعداد الغفيرة في معظم الأوقات، ولم يعد الازدحام مقتصراً على أوقات الذروة المعروفة (6-9 صباحاً ومن 3-6 مساءً) فحسب، بل تفاقمت المشكلة بسبب محدودية المواقف المتوفرة، والتي شكلت عائقاً إضافياً أمام انسيابية حركة السير، على الرغم من الإعلان الأخير لأمانة منطقة الرياض عن توفير 164 ألف موقف.

لقد تعدت الأزمة المرورية الخانقة التي تعاني منها العاصمة الرياض مجرد إضاعة الوقت والانتظار المضني في الطرقات وأمام الإشارات الضوئية، لتصل إلى التأثير على الجانب النفسي للسائقين، الذين لم يعودوا قادرين على تحمل القيادة تحت وطأة هذا الضغط الهائل. فالسائق يعاني من إجهاد ذهني وجسدي ونفسي في مشوار قد لا يتجاوز بضعة كيلومترات، ولكنه يقضي فيه ساعة أو أكثر، مما يدفعه إلى الانشغال بالهاتف المحمول أثناء القيادة لمشاهدة مقاطع الفيديو بغية تخفيف هذا العبء النفسي، ونتيجة لذلك، ارتفعت معدلات حوادث المرور الناجمة عن استخدام الجوال، مما فاقم من تعطيل الحركة المرورية، ووصل الأمر أحياناً إلى شلل تام في الطرق الرئيسية.

مدينة عالمية مرموقة كالرياض، تستضيف في أغلب فترات العام فعاليات ومعارض ومؤتمرات دولية رفيعة المستوى، وتستقبل السياح والزوار والوفود الرسمية من شتى بقاع العالم، ومع ذلك، تواجه تحدياً جسيماً في إدارة حركة المرور بكفاءة وفاعلية على كافة المستويات، سواء في مجال التخطيط والهندسة المرورية، أو في مجال التشغيل والصيانة، أو حتى في ابتكار حلول إبداعية ومشاركة المجتمع في تقديم المقترحات البناءة.

صحيح أن هذا التحدي قائم أيضاً في مدن عالمية كبرى مثل لندن وباريس وشيكاغو وبوسطن ونيويورك وموسكو وغيرها، إلا أن الحلول المتبعة في التعامل مع هذه المشكلة لم تقتصر على مجرد إنشاء الطرق والجسور والأنفاق وتعديل المداخل والمخارج، وهي حلول تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب ميزانيات ضخمة، أو تفعيل شبكة النقل العام التي لا تغطي سوى نسبة محدودة من المدينة، بل شملت أيضاً البحث عن حلول مبتكرة وسريعة أخرى لإدارة هذه الحشود الهائلة من المركبات على طرق الرياض يومياً، وذلك من خلال تفعيل العمل عن بُعد على نطاق واسع، وتوزيع أوقات العمل على مدار اليوم بأكمله وليس فقط في ساعات محددة، والاعتماد المكثف على التقنية للوصول إلى هدف "صفر مراجعين" في مختلف قطاعات العمل، وكذلك نقل الفعاليات والمؤتمرات الكبرى إلى مركز المعارض الحديث في ملهم، وإعادة توزيع مقرات العمل وعدم حصرها في شمال العاصمة.

وبالتوازي مع أزمة المرور المتفاقمة على طرقات العاصمة، تنامت أيضاً أزمة نقص المواقف، وهي مشكلة أخرى مزعجة للغاية وتثير استياء السكان، على الرغم من أن الأنظمة الجديدة لكود البناء قد عالجت جانباً من هذه المشكلة، إلا أنها لا تزال غير كافية، والدليل على ذلك هو الحاجة الماسة إلى إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة هذا التحدي، خاصة في بيئة العمل.

وفي هذا السياق، يروي مسؤول في إحدى الهيئات الحكومية قصة مبنى الهيئة المستأجر، والذي يتسع لـ 100 موقف فقط، في حين أن عدد الموظفين يتجاوز 350 موظفاً، ويصف كيف يتسابق المسؤولون والموظفون لحجز مواقفهم، وكيف يعاني بقية الموظفين من الوقوف في الشوارع والحارات المجاورة للمبنى، والدخول أحياناً في خلافات مع سكان الحي بسبب ذلك، وكيف بحثوا عن أرض مجاورة لتحويلها إلى مواقف، لكنهم وجدوا أن سعرها المطلوب بالملايين ولن تغطي الحاجة المطلوبة، فقرروا تطبيق نظام العمل عن بُعد على 150 موظفاً، وتوفير خدمة "أوبر" لـ 100 موظف آخر مع تحمل الهيئة لتكاليف المشوار، وتخصيص الـ 100 موقف المتبقية لمئة موظف آخرين، وقد وجدوا أن مستوى الرضا الوظيفي قد ارتفع بشكل ملحوظ، وكفاءة الإنفاق تحسنت، بل والأكثر من ذلك أن بعض الموظفين الذين لديهم مواقف مسبقاً أعربوا عن رغبتهم في التنازل عنها مقابل الاستفادة من خدمة "أوبر".

إن جوهر القضية يكمن في ابتكار الحلول الإبداعية، وعدم الاكتفاء بانتظار الميزانيات الطائلة والمشروعات الضخمة فقط، وهذا هو السبيل الأمثل للتخفيف من حدة أزمة المرور والمواقف في مدينة الرياض.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة